الخميس، 5 فبراير 2009

مقالات

مقال من هى المراة الفاضلة
للدكتور ( مصطفى محمود)

يقول سليمان – عليه السلام - في التوراة:( امرأة فاضلة من يدلني عليها.. إنها أثمن من كل ما في الأرض من ماس و لآلئ.. فتشت في الألف امرأة فلم أجدها).فمن هي تلك المرأة الفاضلة التي فتش عنها سليمان الحكيم في نسائه الألف فلم يجدها..؟!سمعنا عن نساء فاضلات حكى عنهن التاريخ و جرت حياتهن مجرى السير.مريم العذراء.و خديجة زوج الرسول – صلى الله عليه و سلم -.و آسيا امرأة فرعون.تلك كانت أسماء و سير و حكايات غبرت و مضت.فماذا يتصور الذهن اليوم حينما يحاول توصيف المرأة الفاضلة في زماننا؟في القاموس الدارج أنها امرأة تحب حتى الموت.. هكذا تقول الأغاني.. و هكذا تقول أجهزة الإعلام.و أنا أسأل.. موت من.. ؟!المشاهَد أن كل النساء يحببن حتى الموت.. حتى موتنا نحن.و عطاء الحب من المرأة طبيعة و فطرة و ليس فضيلة.و هو أيضا ليس فضيلة، لأنه عطاء يتلقى مقابلا من النشوة، و اللذة الفورية فهو عطاء مجز و تكاليفه ممتعة.و مريم العذراء سيدة نساء العالمين لم تعط من هذا النوع من الحب.. و هي لم تحب رجلا.و خديجة كان عطاؤها الذي ميزها هو عطاء من نوع آخر.. فقد أعطت النبي الأمن و الأمان، و كانت له أما و زوجة و ملجأ، و مأوى من عداوة الكفار، و مكرهم و تآمرهم.. ثم أعطت نفسها و حياتها و مالها لرسالته و أهدافه، و اتخذت محبوبه عين محبوبها، و طريقه عين طريقها، فأحبته لله و أحبت الله فيه، و اتخذت دستوره حياة، و اختارت هجرته إلى الله هجرة محببة لها، و كانت حياة الإثنين معا أنسا كاملا و ائتناسا و ملاء كاملا لا خواء فيه و لا ملال.. و لهذا لم يفكر الرسول أن يتزوج عليها أو يجمع عليها بأخرى.. بالغة ما بلغت من الجمال.. و هي التي كانت تكبره بعشرين عاما.. و لم يعدد بين زوجاته إلا بعد وفاتها.إن القضية إذن ليست قضية حب.فهناك من تحب و لا ترحم.. و هذا حال الكثرة.و هناك من ترحم و لا تحب.. و تلك عطاؤها شفقة و صدقة، و ذلك عطاء لا حب فيه، و ندر بين النساء من جمعت في قلبها جمعية (( الحب و الرحمة )).. تلك التي عواطفها سكن، و حنانها قيم، و حبها ظل ظليل، و ليس نارا محرقة.و لعل هذه المرأة هي التي أرادها سليمان في التوراة.و مثال مريم في الزهد و التجرد الكامل غير وارد الآن.. و هي في التاريخ استثناء.. ربما لن يتكرر.و ليس هناك من يطالب المرأة بأن تكون مريم.و لم يكن سليمان يفتش عن مريم في زوجاته الألف، و لعل مثال خديجة كان أقرب إلى تصوره، و هو أيضا أقرب إلى تصورنا نحن و إمكاناتنا.فحسب الرجل امرأة، تستطيع أن تتخلص مما في صدرها من غلّ، و تغلب في نفسها صفات التسامح، و اللين و المودة و الوداعة، على الانتقام و الغضب و الغيظ.. امرأة تكون له أماً و لرسالته عوناً و سندا.فتلك هي الشخصية النورانية.و سماتها هي تلك (( الجمعية النادرة بين الحب و الرحمة )).و هي جمعية لا تجتمع إلا في الأشخاص النورانيين.. الأشخاص الذين استطاعوا أن يرتفعوا على جبلتهم الطينية، و يتجاوزوا ضروراتهم البشرية.. فنزعوا ما في صدورهم من غلّ.. و أصبح الحاكم عندهم هو الجانب الرباني من نفوسهم.و هؤلاء قلة نادرة.. يحتسبون في التاريخ بالأسماء.. رجالا و نساء.و إذا كانوا في الرجال قلة فهم في النساء أقل، لأن الله جعل الجبلة البشرية في النساء أقوى منها في الرجال، و جعل من النساء لحم العلاقة الزوجية و دمها و هيكلها، و جعلهن بذلك أكثر واقعية و أكثر ارتباطاً بالأرض، و أكثر خضوعاً لضرورات البشرية و أحكامها، و أقل قدرة على التجرد و التحليق، و الاستعلاء على الجبلة الطينية؛ و لذلك أعد المرأة للبيت و الأمومة، و أعد الرجل للفلسفة.. و عهد بالطفل إلى المرأة.. و عهد بالنبوة و تغيير العصر إلى الرجل.. و بذلك جعل المرأة هي الأساس، و هي العنصر المحافظ.. و الرجل هو أداة الانتقال و عنصر الثورة.و لذلك فتش سليمان الحكيم في الألف زوجة فلم يجد امرأة فاضلة واحدة.و انسحب فشل سليمان على البشرية.فلا عجب إن كنا أكثر فشلاً من سليمان.. و لنا عذرنا و لهن عذرهن.و لا عجب فنحن في عصور أكثر ظلمة، و أكثر مادية من عصر سليمان.. عصور أصبح فيها الحديد و الصلب و البترول و الذرة حكاماً على مصير الأرض.فاسألوا الله الرحمة..و لا تسألوا غيره فتهلكوا.و حاولوا أن تكونوا فضلاء أولاً، قبل أن تفتشوا عن المرأة الفاضلة.. فالثمار لا يمكن أن تظهر إلا إذا ظهرت الزهور أولاً.و لتجد امرأة كخديجة، لابد أن تكون رجلاً كمحمد .و تربية الفضيلة في النفس أمر مختلف عن تسمين الدجاج أو تربية الأسماك.. فليس للفضيلة وصفة علمية تنمو بها و لا بذور تُشترى من السوق.. إنما الفضيلة نور.. و لا يمكن أن تتنور النفوس إلا بالاتجاه إلى مصدر الإشراق.. إلى الله صاحب الفضل في كل فضيلة.و لذلك كان أولو الفضل و الفضيلة الحقة هم الساجدين و الساجدات.. و إذا رأيت فضيلة في امرأة غير مؤمنة، فتلك فطانة و ذكاء لا فضيلة، و تلك أخلاق التعامل التي تراها في البقالات الناجحة و شركات الائتمان.. و ذلك أمر مختلف.إنما الفضيلة نور و عطاء من ذات النفس، بلا حساب و بدون نظر إلى مقابل، و هي صفة ثابتة تلازم صاحبها في جميع مواقفه.. و لا تتلون بالمصالح.. فكما أن الله بكرمه يرزق المؤمن و الكافر.. كذلك الذين أخذوا كرمهم من عند الله تراهم يمدون يد المعونة إلى أصدقائهم و أعدائهم، و هذا شأن النور يدخل القصور و الجحور دون تحيّز.و صدق سليمان الحكيم.. فإن من يرزقه الله امرأة فاضلة.. فقد رزقه جميع لآلئ و ماسات الأرض.. و أكثر.و قليل في الأرض أمثال هذا الرجل.

المصدر : كتاب (( عصر القرود ))

هناك 4 تعليقات:

shaimaa samir يقول...

و إذا رأيت فضيلة في امرأة غير مؤمنة، فتلك فطانة و ذكاء لا فضيلة،


إنما الفضيلة نور و عطاء من ذات النفس



على من اعلق
على كلماته
ساشكرك على النقل النافع

جزيت الخير

المحارب الأخير يقول...

السلام عليكم
جميل مصطفى محمود
ولى عودة للقراءة المتأنية

أحببت فقط أن ألقى السلام

ضيف جديد عليكم

لكم كل الحب

رحيق يقول...

شيماء سمير

شكرا على مرورك الكريم

تحياتى

رحيق يقول...

بئر الخطر
وعليكم السلام
ومرحبا بك فى عالم التدوين

تحياتى